" وقــد خلقكــــم أطــــوارا "


ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين .. )

قضت حكمته سبحانه من كان أمره بين الكاف والنون ، أن يكون خلق الانسان كسائر المخلوقات على أطوار ومراحل .. ﴿ وقد خلقكم أطوارا

وإن كان رحم الأم هو البيئة الحاضنة لمراحل تطور الجسد وتهيئته للحياة الدنيا .. ،
فإن الدنيا هى البيئة الحاضنة لمراحل تطور النفس وتهيئتها للحياة الآخرى ..
مـــع الـفــــارق ... ؟!


أن الجسد مسيّر فى جميع أطواره ومراحل نموه وتطوره .. بينما النفس مخيرة فى مراحل نموها وتطورها ما بين الرضا والشقاء .. ( قد أفلح من زكّاها .. وقد خاب من دسّاها )

ومن أوجه التشابه بين أطوار البناء النفسى والجسدى للانسان ، التزام خلايا الجسم المختلفة بشفرة الحامض النووى (DNA) طوال مراحل نموها وتطورها ، فلا تحيد عنها وإلا أصيب الجسد بالتشوهات والعيوب الخلقية ..
وفى المقابل نرى أن خروج النفس عن المنهج الربانى الذى يعد دليلها نحو النمو والترقى ، يؤدى بصاحبه حتما للتشوهات والعيوب النفسية التى يستحق على أثرها الثبور والهلاك .. ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .. ثم رددناه أسفل سافلين .. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون )
______
فما هى إذا أبعاد البناء النفسى وأطواره فى الحياة الدنيا ، وما علاقته بمنهج الله .. ؟!
وإن كان الإبتلاء هو قدر الانسان على الأرض ، فهل له دورا عمليا فى عملية البناء ؟!!
هذا ما سنحاول التعرف عليه اليوم ونسأل المولى عزّ وجل التوفيق فيه والسداد : _

• بـدايـــــةً ، المنهج الربانى هو الطريق الوحيد الذى ينبغى أن تسلكه النفس كى تصل إلى النضوج والكمال ،
وعلى جانبى هذا الطريق حدودا لا ينبغى للنفس تجاوزها ،
وان تجاوزتها خرجت عن الطريق وسارت بلا هدى فى صحراء التيه حيث أرض الأهواء ...
والصعاب والعقبات موجودة فى كل مكان ، سواء وأنت ملتزم بالسير على الطريق ، أو انحرفت يمينا ويسارا لتصطدم وتحتك بحَدّىّ الطريق ، أو فارقت الطريق تماما وسرت بلا هدى فى أرض الأهواء ...!! (لقد خلقنا الإنسان في كبد)
تلك الصعاب والعقبات تُعد مصائب وتسمى فى الشرع ابتلاءات ، لا يسلم منها مسلم ولا فاجر (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون)وإن كان أيضا إنبساط الطريق أمام السائر يدخل فى مفهوم الإبتلاء (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)
ولــكــن عـلـيـك الانـتـبـــاه ..!!
تختلف الابتلاءات فى أسبابها وطبيعة تأثيرها حسب موقعك من الطريق .. ؟!
فلا يمكنّا بحال التسوية مابين ثلاث فى الابتلاء : _

# أحدهم على الطريق يواجه عقبات ومصاعب تكون وظيفتها الحقيقية ، تجلية النفس من أدرانها وشوائبها حتى تصير طيّعة نقية ، تنمو بسلاسة نحو النضوج والكمال .. ،
وكل الآلام التى تصاحبها ماهى إلا آلام المخاض ، تُولد فيها النفس من رحم البلاء ..

# وعقبات آخرى ومصاعب تواجه من حاد عن الطريق وبدء الاحتكاك والتصادم مع محارم وحدود الله ، فيرى نار الشرر على أثر الاحتكاك ،
فإن لم ينتبه ويعدل دفة اتجاهه ويرتد سريعا إلى طريق الهدى ، هلك واقتحم مفازة الأهواء .. (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون)
# وآخرهم من كسر حاجز الطريق ولا يبالى مقتحما مفازة الأهواء ، فهو لايرى طريقا من كثرة ما أثار من غبار غرائزه ولايهتدى لشيئ ، ويضيق صدره دوما كلما امتلئ بتراب هواه ...

ورغم كون الابتلاء الواقع عليهم قد يكون واحد ، إلا انه للمؤمن تزكية وعلو درجات ، وللعاصي تحذير .. وان تاب ورجع يصبح تكفير عن السيئات ، وللمعاند هو عقوبة وبلاء..!!
والعالم من أدرك لِما أصابه البلاء ، والجاهل لا يدرى ، وأجهل الخلق من حاد عن طريق الهدى ويحسب أنه على شيئ ، ويرى فى ابتلاءه دليل على صحة دعواه ... ؟! نسأل الله العفو والعافية ..